حياة الفقر والجهـل: فيلم غاب عنه البطل
صناعـة الفقـر بقلم: محمد الأنصاري
«ما أقسى أن تعيش في عالم لا يُخطئ في حقك فحسب ، بل يمنعك حتى من أن تحلم بالنجاة»
حياة الفقير أشبه ما تكون بفيلم غاب عنه البطل؛ تتوالى فيه المشاهد ، مشحونة بالألم، مكتظة بالصمت، تفتقر للنجاة ، كأن العدسة لا تلتقط سوى انكساراته. يُولد في زاوية مظلمة من هذا العالم، لا يعرف عن العدل سوى اسمه ، ولا عن العلم سوى حروف مبعثرة على جدران مهترئة.
الفقر ليس عيبا ، لكنه كثيرا ما يعامل كخطيئة ، إنه ليس مجرد خواء الجيب ، بل امتهان للكرامة، وتآكل مستمر للذات ، وتكاد المصيبة تكتمل حين يتحالف الفقر مع الجهل ، فينغلق الأفق، ويتحول الحلم إلى ترف، والحق إلى أمنية.
غير أن الفقر لا ينشأ من العدم، بل تصنعه يد الظلم، ويغذّيه جفاف العدالة ، فكم لله من نفسٍ عاقبها التاريخ لمجرد أنها ولدت في المكان الخطأ ، وفي الزمن الخطأ ، وتحت سلطة لا تسمع أنين الفقراء ولا تراهم إلا أرقاما على ورق الإحصاءات. يُقصى من المدرسة من لا يملك ثمن الدفاتر ، ويُرفض من المستشفى من لا يحمل تأمينا، ويُتهم بالتقصير من لم يُمنح حتى فرصة المحاولة.
ثم تأتي الغربة، لا كاختيار، بل كقدرٍ مرّ ، إذ لا يرحل الفقير عن أرضه طمعا، بل هربا من واقعٍ يغلق عليه الأبواب ، يتيه في المدن الكبرى ، أو في المنافي البعيدة ، يبحث عن فرصة ، عن وطنٍ لا يسأله عن اسمه بقدر ما يفتح له بابا للعمل والكرامة ، لكنه هناك ، في غربته، يغدو غريبا في العيون واللهجات، يحمل كل عبء ، ويُلام على كل خلل، وتُنسى قصته وسط ضجيج المصالح.
الفقر والجهل والظلم والغربة ، خيوط متشابكة تنسج قيدا لا يرى، لكنه يثقل الخطى ويكسر الظهر ، وبين كل هذا ، يظل البطل غائبا: الحاضنة العادلة، المثقف الصادق، الإعلام الحر، أو حتى الضمير الحي.
وحين يعود هذا البطل - إن عاد - يمكن أن يُعاد تصوير الفيلم، هذه المرة بنهاية مختلفة ، يكون فيها الفقير إنسانا لا رقما ، وصوته مسموعا لا مهمشا ، ويكون للعلم كرسيّ في كل بيت ، وللعدل موطئ قدم في كل مؤسسة .